الاثنين، 11 سبتمبر 2017





                                         


                                         بعيداً مع الفم الكرزي 




"عيب كيف يمكن لفتاة أن تجلس على الدراجة، كيف سينظر إليها الرجال وماذا سيقول الناس!”
لا نساء في هذه المدينة يتجولن على الدراجات.

الحرية ربما هي لدى البعض حرية العقيدة أو حرية الفكر، قد تكون حرية الرأي أو حرية الاختيار.
ولكن دائماً ماترتبط كلمة الحرية بالحرية السياسية والعديد من الثورات وحكايات الشعوب التي ناضلت من أجل حريتها منذ الأزل حتى الثورة السورية التي لازالت حتى الآن معلّقة بمصير مجهول.
ولكن ماذا عن حرية الأفراد في المجتمع ضمن الحدود والعادات والتقاليد التي فرضتها بعض الأفكار البالية في العالم العربي على سبيل المثال لا الحصر.
بعيداً عن الدين وعن العالم السياسي، كان الجيران والأقارب وبائع الخضار في الحارة وعامل النظافة والحلّاق الذي لايتوقف لسانه ليلاً ونهاراً عن الكلام، كان للجميع الحق بالتدخل في حياتي شئت أم أبيت. دائماً ما يتحدثون، ينسجون الحكايا، يلوكون لحمي وأنا على قيد الحياة. كل يوم أخرج فيه من البيت علي أن أنتبه إلى لباسي وطريقة مشيتي وكلمات حديثي المنتقاة جداً وصوت ضحكتي ولون شفاهي ووقت عودتي للبيت.
 أذكر ذلك اليوم عندما جاءت جارتنا الى أمي تشكو لها أن طريقتي في مضغ العلكة لا تتناسب مع الحارة وكنت في غرفتي أشاهد أفلام الكرتون وأضحك في سري.
أحب الكرز وعادة ما أشتري المثلجات الملونة باللون الأحمر أما في المدرسة فكانت هناك كل الألوان إلا الكرزية، لم أكن أعرف السبب إلا أن تسبب لي جهلي بهذا الموضوع بالضرب والتوبيخ من قِبل مديرة المدرسة عندما جئت إلى الدرس وعلى فمي بقايا من المثلجات الكرزية والتي كانت تظن أنني أضع أحمر الشفاه و أنا ذي الثمان أعوام لم أكن على وعي بتلك التفاصيل.
من هو المجتمع ولماذا من حقه خنقي، واختيار لون طلاء أظافري وموسيقاي و ديني أيضاً!
كفتاة  تعيش في مدينة حلب ولا ترتدي الحجاب  كان هناك الكثير من الصراعات اليومية والنقاشات المستمرة، حيث كنت أعيش في حيّ يدعى سيف الدولة والذي يعتبر المكان الأمثل للعائلات الحلبية ذي الاصول العريقة والمتدينة نوعاً ما.
يبدأ روتيني اليومي بمشاجرة صغيرة مع أمي عن ثيابي والتي أصبحت فيما بعد جزء من صباحي المعتاد.
شفّاف، قصير، ضيّق ،طويل ،عريض “.
لم تكن أمي من الأمهات المتسلطات ولكن المجتمع فرض عليها أن تكون ذلك على مبدأ " ماذا سيقول الناس"
إذا كنا على صح وعلى قناعة كافية بأعمالنا لماذا علينا دائما أن نراعي المجتمع؟ حتى لانخرج من صورة القطيع النمطية؟
جارتنا رانيا ذي الخمسين عاماً مع خمسة أولاد لم تكن تأبه لتلك القيود والتقاليد التي فرضتها علينا الحارة والجيران. كانت تخرج كما يحلو لها  بثوب قصيرأم طويل أحياناً تضع حجاب أو تخرج دون حجاب، لم تكن نظرات الناس من أولوياتها ابداً وفي المقابل كانت تتعرض رانيا للكثير من الأسئلة والمضايقات المتكررة، على سبيل المثال: أين زوجك ! كسؤال مبطن بمعنى " ألا يوجد رجلٌ في حياتك يلجمك ويملي عليكي تصرفاتك!
طبعا كان الجميع يعتبر أن زوجها أبو محمد عديم شرف لأن شرفه مرتبط بلباس زوجته وضحكتها العالية.
أحب كثيراً الخروج مع رانيا، النقاش معها، الغناء بصوت مسموع في الشوارع الخالية، التصرف على سجيتي دون التفكير مليّاً بصوت الكعب وطقطقة العلكة.
أما نور البالغة من العمر ثلاثين عاماً كانت كل يوم تأتي إلينا تشكي ضرب زوجها المستمر لها، عادة ما تشرب قهوة الصباح مع أمي بعين زرقاء أو خضراء حسب قوة الضربة أو حسب مزاج زوجها في الليلة الماضية.
تبكي وتشكي باستمرار، وعندما أسألها عن سبب عدم الطلاق تضحك وتجيب" وماذا سيقول عني الناس؟ مطلّقة!
الناس في مجتمعنا يحشرون أنوفهم حتى في طعامك ،ماذا تأكل ، ماذا تشرب ،هل هذا كحول أم أن لونه هكذا! هل هذه الفتاة مطلقة؟ اووه وصغيرة ياحرام!
عاشت نور حياتها مع رجل كريه يضربها وتطبخ له إلى أن هاجرت الى بلاد بعيدة. منذ فترة سألتها عن سبب طلاقها الآن بالذات فقالت :”إنني أعيش بعيداً، لا مجتمع يحكمني ويقررعني حياتي “.
لم تكن تبعد كلية الاداب  جامعتي عن بيتنا سوى بعض الكيلومترات، حيث يمكن أن تكون بالدراجة حوالي خمس عشرة دقيقة، ولكني لم أكن أملك واحدة . كان أخي فقط يملك دراجة سريعة وكبيرة وزرقاء وكنت أحسده دائماً.
 لا نساء في هذه المدينة يتجولن على الدراجات.
"عيب كيف يمكن لفتاة ان تجلس على الدراجة ،كيف سينظر إليها الرجال وماذا سيقول الناس!
كنت أقود دراجتي في ملعب كبيرة لكرة القدم مع الكثير من الفتيات، نستمتع بمساحة الحرية المتاحة لنا كنساء بقيادة دراجة هوائية!.
أما عن الحياة العاطفية فلا اعرف حقيقة من أين أبدأ. حيث أن شريك الحياة يجب أن يتناسب مع جدك وجدتك وخالتك وابن عمك وجيرانك وبائع الخضار، قبل أن تفكر بأنه شريكك أنت إنه شريك الجميع. نعم الزواج في مجتمعاتنا ليس قراراً شخصيا حيث هناك مجموعة من القواعد والقوانين التي يجب أن تتناسب مع العائلة كما أنها تختلف من عائلة لأخرى حسب الدين والملّة والقومية والطبقة الاجتماعية.
تقول لينا التي تجاوزت السابعة والأربعين :” لم أتزوج، ولا أريد ذلك، لقد كنت أحب زميلاً لي في الجامعة ولكن عائلتي رفضت زواجنا لأنه من الطائفة العلوية وعائلتي من الطائفة السنيّة، لم أستطع أن أٌغضب عائلتي وألوذ بالفرار كما فعلت بنت عمي، وقتلت بعد شهر. ليست لدي الشجاعة الكافية خصوصاً أن أولاد خالتي قاموا بتهديدي بالقتل ما إن فكرت بشيء كهذا”.
أما لناديا فهناك حكاية أخرى، حيث كانت ناديا ذات الثمانية والعشرين عاماً  الابنه الوحيدة لتاجر معروف وثري " لا أستطيع الزواج بعد الآن أنا عانس، لا أحد يأتي لخطبتي من أهلي منذ 3 أعوام، العائلات مثلنا تطلب الفتيات الصغيرات حتى تكبر في عائلة زوجها وتتعلم عاداتهم وتقاليدهم، أما أنا فلقد أصبحت كبيرة على ذلك".
معظم الأحيان ليست هناك أجوبة لهذه العادات والتقاليد والصورة النمطية التي فرضتها هذه النوعية من المجتمعات المنفصمة التي تطلب منك المثالية "حسب قواعدها" وتجلدك حين تقترف شيئا خاطئاً.
وإن كانت النساء الضحايا الأكثر في هذه المجتمعات لكنهن لسن الوحيدات.
يقول سمير البالغ من العمر 30 عاما " ليس الدين من أولولياتي ولكني اضطررت أن أجبر أختي على ارتداء الحجاب ، قال لي اصدقائي في الحارة أن الناس يتحدثون أنني بلا شرف لأنني أسمح لأختي أن تخرج بدون أن تستر رأسها " على حل شعرها " على حسب قولهم ،كان صعباً علي أن اتحدث الى جودي اختي بهذا الخصوص ولم تكن تتخيل ذات يوم أنني سأطلب منها أن تفعل ذلك حقا ،من أجل الناس ،وليس من أجل الله”.
أما جودي فكانت ترتدي حجابها في الحارة ودائما ماتكون بدونه في الجامعة.
كنت أحب كثيرا عطلة الصيف  حيث كنا نذهب لمدينة أخرى حيث البحر وبعض من الحرية.
لاتزال تلك الصورة معلقة في ذهني ،عندما جاء ابي إلينا من حلب وكنا وأمي نشتري بعض المثلجات. لم يكن ينظر لأمي كان يبتسم فقط  وعندما استدارت كان أبي متفاجئاً بعض الشيء، هل هذه زوجتي حقاً! بشورت قصير وقميص أبيض أيضاً، الحمد لله " هنا لا أحد يعرفنا قال أبي.

لك أن تفهم من هذه الجملة الاخيرة كيف كان يسيطر المجتمع على حيواتنا ويتحكم بلون حيطاننا، بأسماء أولادنا، بفتات طعامنا، وبالكثير من الاشياء التي سيتطلب شرحها عمراً كاملاً.