الثلاثاء، 5 أكتوبر 2021


„اللانتماء هو انتماء أيضاً.“
هكذا قالت لي وهي تمسك فنجان قهوتها الساخن، بحذر
„هكذا نستيقظ أحيانا مملوئيين بالهراء“
قلتُ لها وأنا أنظر إلى شباك رمادي بارد، أحاول الهروب من يوم عادي.
غيوم ثقيلة وسماء بلا ألوان، أصوات بعيدة تنذر بالرحيل
العيد على الأبواب
„الألوان هي حالة نفسية وليست مادية“ قالت وهي تحدّق في شاشة كبيرة على حائط أبيض.
"لماذا هذا أبيض وذاك اسود وتلك حمراء وهؤلاء صفر، نحن نضع كل شي في مكان نريده ولا أحد آخر"
„ماذا عن الحب؟“
سألتُها..
„ماذا عن الحب...“ قالت ببرود.

الأربعاء، 25 أكتوبر 2017

 

 

 

 

جبّ الفار

 

لم تكن نورا تحب المدرسة ، ولكنها كانت الأولى دائما ، نشيطة .. مجتهدة .. ثابري إلى الأمام " هذه ماكان يُكتب على أوراقها المدرسية " 
كانت تستيقظ قبل الشحادة وبنتا حتى تصل إلى المدرسة قبل النشيد الصباحي بنصف ساعة ، تقوم بواجباتها قبل أن تغسل يديها كل يوم تجلس على ركبتيها وتسند يديها الصغيرتين على حرف السجادة العجمية السميكة ، تخرج كتبها وتبدأ بمراجعة دروسها ، كانت توبخها أمها دائما بأن تأكل أولا ثم تبدأ بالدراسة في شعور مبطن من السعادة لأن ابنتها سوف تصبح دكتورة فيما بعد اذا استمرت على هذا المنوال ، ولكن نورا لم تكن تسمع أحد .. كان كل مايشغلها .. خوفها من جب الفار.


جب الفار: ترمز له المعلمات في المدرسة بالقبو السفلي في محاولة لحث الطلاب على  الدراسة من خلال تخويفيهن بتهديدهم بتركهم هناك الليل كله ان قاموا ببعض التقصير .

الاثنين، 11 سبتمبر 2017





                                         


                                         بعيداً مع الفم الكرزي 




"عيب كيف يمكن لفتاة أن تجلس على الدراجة، كيف سينظر إليها الرجال وماذا سيقول الناس!”
لا نساء في هذه المدينة يتجولن على الدراجات.

الحرية ربما هي لدى البعض حرية العقيدة أو حرية الفكر، قد تكون حرية الرأي أو حرية الاختيار.
ولكن دائماً ماترتبط كلمة الحرية بالحرية السياسية والعديد من الثورات وحكايات الشعوب التي ناضلت من أجل حريتها منذ الأزل حتى الثورة السورية التي لازالت حتى الآن معلّقة بمصير مجهول.
ولكن ماذا عن حرية الأفراد في المجتمع ضمن الحدود والعادات والتقاليد التي فرضتها بعض الأفكار البالية في العالم العربي على سبيل المثال لا الحصر.
بعيداً عن الدين وعن العالم السياسي، كان الجيران والأقارب وبائع الخضار في الحارة وعامل النظافة والحلّاق الذي لايتوقف لسانه ليلاً ونهاراً عن الكلام، كان للجميع الحق بالتدخل في حياتي شئت أم أبيت. دائماً ما يتحدثون، ينسجون الحكايا، يلوكون لحمي وأنا على قيد الحياة. كل يوم أخرج فيه من البيت علي أن أنتبه إلى لباسي وطريقة مشيتي وكلمات حديثي المنتقاة جداً وصوت ضحكتي ولون شفاهي ووقت عودتي للبيت.
 أذكر ذلك اليوم عندما جاءت جارتنا الى أمي تشكو لها أن طريقتي في مضغ العلكة لا تتناسب مع الحارة وكنت في غرفتي أشاهد أفلام الكرتون وأضحك في سري.
أحب الكرز وعادة ما أشتري المثلجات الملونة باللون الأحمر أما في المدرسة فكانت هناك كل الألوان إلا الكرزية، لم أكن أعرف السبب إلا أن تسبب لي جهلي بهذا الموضوع بالضرب والتوبيخ من قِبل مديرة المدرسة عندما جئت إلى الدرس وعلى فمي بقايا من المثلجات الكرزية والتي كانت تظن أنني أضع أحمر الشفاه و أنا ذي الثمان أعوام لم أكن على وعي بتلك التفاصيل.
من هو المجتمع ولماذا من حقه خنقي، واختيار لون طلاء أظافري وموسيقاي و ديني أيضاً!
كفتاة  تعيش في مدينة حلب ولا ترتدي الحجاب  كان هناك الكثير من الصراعات اليومية والنقاشات المستمرة، حيث كنت أعيش في حيّ يدعى سيف الدولة والذي يعتبر المكان الأمثل للعائلات الحلبية ذي الاصول العريقة والمتدينة نوعاً ما.
يبدأ روتيني اليومي بمشاجرة صغيرة مع أمي عن ثيابي والتي أصبحت فيما بعد جزء من صباحي المعتاد.
شفّاف، قصير، ضيّق ،طويل ،عريض “.
لم تكن أمي من الأمهات المتسلطات ولكن المجتمع فرض عليها أن تكون ذلك على مبدأ " ماذا سيقول الناس"
إذا كنا على صح وعلى قناعة كافية بأعمالنا لماذا علينا دائما أن نراعي المجتمع؟ حتى لانخرج من صورة القطيع النمطية؟
جارتنا رانيا ذي الخمسين عاماً مع خمسة أولاد لم تكن تأبه لتلك القيود والتقاليد التي فرضتها علينا الحارة والجيران. كانت تخرج كما يحلو لها  بثوب قصيرأم طويل أحياناً تضع حجاب أو تخرج دون حجاب، لم تكن نظرات الناس من أولوياتها ابداً وفي المقابل كانت تتعرض رانيا للكثير من الأسئلة والمضايقات المتكررة، على سبيل المثال: أين زوجك ! كسؤال مبطن بمعنى " ألا يوجد رجلٌ في حياتك يلجمك ويملي عليكي تصرفاتك!
طبعا كان الجميع يعتبر أن زوجها أبو محمد عديم شرف لأن شرفه مرتبط بلباس زوجته وضحكتها العالية.
أحب كثيراً الخروج مع رانيا، النقاش معها، الغناء بصوت مسموع في الشوارع الخالية، التصرف على سجيتي دون التفكير مليّاً بصوت الكعب وطقطقة العلكة.
أما نور البالغة من العمر ثلاثين عاماً كانت كل يوم تأتي إلينا تشكي ضرب زوجها المستمر لها، عادة ما تشرب قهوة الصباح مع أمي بعين زرقاء أو خضراء حسب قوة الضربة أو حسب مزاج زوجها في الليلة الماضية.
تبكي وتشكي باستمرار، وعندما أسألها عن سبب عدم الطلاق تضحك وتجيب" وماذا سيقول عني الناس؟ مطلّقة!
الناس في مجتمعنا يحشرون أنوفهم حتى في طعامك ،ماذا تأكل ، ماذا تشرب ،هل هذا كحول أم أن لونه هكذا! هل هذه الفتاة مطلقة؟ اووه وصغيرة ياحرام!
عاشت نور حياتها مع رجل كريه يضربها وتطبخ له إلى أن هاجرت الى بلاد بعيدة. منذ فترة سألتها عن سبب طلاقها الآن بالذات فقالت :”إنني أعيش بعيداً، لا مجتمع يحكمني ويقررعني حياتي “.
لم تكن تبعد كلية الاداب  جامعتي عن بيتنا سوى بعض الكيلومترات، حيث يمكن أن تكون بالدراجة حوالي خمس عشرة دقيقة، ولكني لم أكن أملك واحدة . كان أخي فقط يملك دراجة سريعة وكبيرة وزرقاء وكنت أحسده دائماً.
 لا نساء في هذه المدينة يتجولن على الدراجات.
"عيب كيف يمكن لفتاة ان تجلس على الدراجة ،كيف سينظر إليها الرجال وماذا سيقول الناس!
كنت أقود دراجتي في ملعب كبيرة لكرة القدم مع الكثير من الفتيات، نستمتع بمساحة الحرية المتاحة لنا كنساء بقيادة دراجة هوائية!.
أما عن الحياة العاطفية فلا اعرف حقيقة من أين أبدأ. حيث أن شريك الحياة يجب أن يتناسب مع جدك وجدتك وخالتك وابن عمك وجيرانك وبائع الخضار، قبل أن تفكر بأنه شريكك أنت إنه شريك الجميع. نعم الزواج في مجتمعاتنا ليس قراراً شخصيا حيث هناك مجموعة من القواعد والقوانين التي يجب أن تتناسب مع العائلة كما أنها تختلف من عائلة لأخرى حسب الدين والملّة والقومية والطبقة الاجتماعية.
تقول لينا التي تجاوزت السابعة والأربعين :” لم أتزوج، ولا أريد ذلك، لقد كنت أحب زميلاً لي في الجامعة ولكن عائلتي رفضت زواجنا لأنه من الطائفة العلوية وعائلتي من الطائفة السنيّة، لم أستطع أن أٌغضب عائلتي وألوذ بالفرار كما فعلت بنت عمي، وقتلت بعد شهر. ليست لدي الشجاعة الكافية خصوصاً أن أولاد خالتي قاموا بتهديدي بالقتل ما إن فكرت بشيء كهذا”.
أما لناديا فهناك حكاية أخرى، حيث كانت ناديا ذات الثمانية والعشرين عاماً  الابنه الوحيدة لتاجر معروف وثري " لا أستطيع الزواج بعد الآن أنا عانس، لا أحد يأتي لخطبتي من أهلي منذ 3 أعوام، العائلات مثلنا تطلب الفتيات الصغيرات حتى تكبر في عائلة زوجها وتتعلم عاداتهم وتقاليدهم، أما أنا فلقد أصبحت كبيرة على ذلك".
معظم الأحيان ليست هناك أجوبة لهذه العادات والتقاليد والصورة النمطية التي فرضتها هذه النوعية من المجتمعات المنفصمة التي تطلب منك المثالية "حسب قواعدها" وتجلدك حين تقترف شيئا خاطئاً.
وإن كانت النساء الضحايا الأكثر في هذه المجتمعات لكنهن لسن الوحيدات.
يقول سمير البالغ من العمر 30 عاما " ليس الدين من أولولياتي ولكني اضطررت أن أجبر أختي على ارتداء الحجاب ، قال لي اصدقائي في الحارة أن الناس يتحدثون أنني بلا شرف لأنني أسمح لأختي أن تخرج بدون أن تستر رأسها " على حل شعرها " على حسب قولهم ،كان صعباً علي أن اتحدث الى جودي اختي بهذا الخصوص ولم تكن تتخيل ذات يوم أنني سأطلب منها أن تفعل ذلك حقا ،من أجل الناس ،وليس من أجل الله”.
أما جودي فكانت ترتدي حجابها في الحارة ودائما ماتكون بدونه في الجامعة.
كنت أحب كثيرا عطلة الصيف  حيث كنا نذهب لمدينة أخرى حيث البحر وبعض من الحرية.
لاتزال تلك الصورة معلقة في ذهني ،عندما جاء ابي إلينا من حلب وكنا وأمي نشتري بعض المثلجات. لم يكن ينظر لأمي كان يبتسم فقط  وعندما استدارت كان أبي متفاجئاً بعض الشيء، هل هذه زوجتي حقاً! بشورت قصير وقميص أبيض أيضاً، الحمد لله " هنا لا أحد يعرفنا قال أبي.

لك أن تفهم من هذه الجملة الاخيرة كيف كان يسيطر المجتمع على حيواتنا ويتحكم بلون حيطاننا، بأسماء أولادنا، بفتات طعامنا، وبالكثير من الاشياء التي سيتطلب شرحها عمراً كاملاً.

السبت، 15 أكتوبر 2016






I never say Goodbye



كان يوماً عادياً جداً أذكرُ أنّ المطر بدا قاسياً في برلين عندما اتصلت بي صديقتي وسألتني  إن كان بالإمكان إرسال عنوان بريدي الإلكتروني لصديقة لها تُدعى Heike Stweing والتي تريدُ أن تتعرّف على نساء من مجتمعات وجنسيات أخرى، نساء قويّات استطعن التغلّب على كل مامررن به، من أجل معرضها القادم.
استلقيت على سريري الصغير وبدأت الأفكار تأكلُ رأسي، الكثير من الأسئلة ولا إجابات ..
هل أنا قوية بما فيه الكفاية! رغم كل ماحصل لم أفكر بهذا من قبل .. نظرتُ للنافذة حيث هناك غيمة تحدّق بي من بعيد، وتعود لي الأسئلة مجدّدا .. هل أستطيع الآن أن أقف أمام عدسة الكاميرا و أواجه كل ما مررت به بصورة واحدة !
في العاشرة صباحاً .. في بداية الأسبوع كانت الشمس تجلس على كتفي بينما كنت أمشي من المحطة إلى منزل Heike، فكّرتُ كثيراً في هذه المدينة التي تَلدُ لي كلّ يوم شارعاً جديداً وردّدتُ .. أنا قوية .. أنا قوية.
لقد قرأتُ ذات مرّة في كتاب ما عن إقناع العقل من خلال تكرار جُمَلٍ معيّنة من حينٍ لآخر .. وأنا من الذّين يقنعون عقولهم كثيراً.
جلسنا في المطبخ على طاولة تكادُ تطاولُ السماء حيث تسكن Heike عالياً. أكلنا الكرز وتحدثنا عن مواضيع عامة عن الطقس، عن الطعام عن القهوة  ثم انتقلنا للجلوس على الشرفة هناك حيث قد زرعت Heike نباتاتٍ كثيرة، كنتُ هناك أروي قصّتي و تصغي لي تلك المصوّرة الجميلة وخلفها ينام غصن زيتون.
وللزيتون في بلادنا حكايةٌ أخرى وقدسيّة خاصة .. الزيتون يعني الأرض، السّلام، موعد مع الشتاء.
شعرت بالارتياح وبدت لي Heike مصغية بشدّة وكأنّها تلتقط الكلام الهارب من فمي إليها.
 كنتُ أريد أن أقول لها “ هل ستستطيعين تحنيط لحظات عمري في عدسة واحدة؟، ولتعلمي أني قوية جدّا بما يكفي لأن أكون هنا بعد ما كان كلّه”.
وعند هذه اللحظة بدأ شريط حياتي يمرّ أمامي وآلات التصوير تحدّقُ بي ..
أول عدسة لمصوّر الشرطة وهو يصرخ بي أن أقف جيّدا عندما أضعتُ بطاقتي الشخصية، ولعلّها الذكرى الأسوأ على الإطلاق، كان الذعر يملؤني في بناء تحيط به أسلاك شائكة والكثير من العساكر وقف أبي هناك نظرتُ في عينيه التائهتين من بعيد أشار لي أن أغلق آخر أزرار القميص شعرتُ أنّ نظراتهم تأكل جسدي من كل جانب. وقفتُ بحذر و لم يكن أبي  يجرؤ حتّى على المساندة.
ثاني عدسة لذلك الشخص الذي ادّعى أنه مصوّر محترف ولازلت أشكّ في ذلك الى هذا الوقت، حين قررنا الهجرة الى بلاد أخرى. حيث أضحت مدينة حلب “ مدينتي” تعيش في ظلام دامس وكانت النار هي الوحيدة التي تنير المدينة و طبعا .. فلاش الكاميرا ..
ثالث عدسة  والتي خلَقتها أصابعي، حدّقتُ بالمرآة وحنّطتُ عيني بآلة التصوير علّقتها على حائط غرفتي والتي أصبحت جزءاً من حريق بيتي وكل ذكرياتي في حلب.
أمّا العدسة الأخيرة فدائما ما تلاحقني في حلمي، بثوبي الأبيض الطويل، حيث أصدقائي، عائلتي، أمي أبي واخوتي. أضحك كطفل يمشي لأول مرّة و أعانق زوجي للأبد هذه العدسة التي بدت عاجزة أمام تقسيم الله والإنسان للأديان وتعدد القوميات. فاكتفينا بالاوراق والاختام والتواقيع . 
قالت لي Heike: “لقد تعبت عدسات التصوير من استحضار الوجع، أنا هنا لأجل القوة، هناك خلف هذا الألم الكثير من الأشياء الذي يجب أن نعرفها ونتعلم منها. لكلّ صورة قصة، أستطيع أن أقول لك أنني من خلال النظر لهذين العينين أعرف أنك هنا بكل ماتملكين من أحلام  وستكونين كما أردتِ يوما“
هل تستطيع عين واحدة أن تقول للعالم قف للحظة وانظر إلى هؤلاء بدون شفقة! من غير إحساس بالذعر، بلا أحكام مسبقة!
أيها العالم الجديد إنهم بشر أيضاً ولديهم أحلام وكوابيس مثلك تماماً.
مايخيفهم يخيفك وما تفرح به يفرحهم أيضاً، هل فكّرتَ يوماً كيف يمكن لإنسان أن يخرج من مجرزة جماعية ويستيقظ كل صباح ليحتسي القهوة ويقرأ الجريدة ناسيا ماقد مضى!
هل فكّرت يوماً كيف يمكن لامرأة فقدت عائلتها في حرب طاحنة أن تكون في بلاد تتعلم بها حياة جديدة لم تتخيلها قبلا !
ربما تستطيع بعينك أنت أن ترى الجزء المظلم والجزء المضيء ايضا .. الاختيار واضح ، بدون تعميم طبعاً.
في السابعَ عشر من نوفمبر ستكون هناك في معرض museum Tempelhof على الحائط لحظات محنّطة لنساء قويات في المنفى.
سيتساءل الكثيرون عن صاحبات الصور وعن ماضيهن، عن حياتهن ، لاتبحثوا عنهنّ ،إنهنّ في كل مكان حتى في ذاكرتكم.
اتفقنا على لقاء آخر من أجل جلسة التصوير الخاصة بي وطلبتُ من Heike أن أرتدي ثوبي الفلسطيني ووافقت على ذلك.
رتّبت شعري و لا أنكر أنني تدرّبت كثيراً أمام المرآة لأرسم على شفتيّ ابتسامة، كان نهاراً عابساً عدّل مزاجي الصباحي فنجان قهوة فلسطينيّ الهويّة حضّرته الجميلة Heike.
مع آخر رشفة في فمي ذهبنا الى غرفة التصوير ذي الحائط الأسود والمعدات الخاصة بها، إنها أولّ مرّة أدخل فيها غرفة كهذه دون خوف أو شعور بالرهبة أو معرفة مسبقة بقباحة الصورة بعد ذلك. 
بدوتُ مرتبكة بعض الشيء ولكنّ ضحكات Heike واعجابها بفستاني المزركش أعادوني لرشدي. طلبت مني أن أكون مستعدة و سألتني أن أنظر الى العدسة بكل ما أوتيت من قوة!
خاطبت تلك البلورة الصغيرة مع كل ومضة وكبسة زر “أنا أكرهك أيها الموت، أنا امرأة قوية، سأحقق أحلامي. أنا هنا سأتحدى كل المسمّيات التي أطلقوها على هويّتي، سأثبت للعالم أنني أقوى مما يظن”
“لا أريد نظرة غضب .. بماذا تفكرين ياعزيزتي ..؟ أريدك فقط أن تكوني كما أنتِ، يكفي أن تكوني أنتِ” قالت لي.
أدركت أنّي بالغتُ بعض الشيء في تدريب مخّي على الإحساس بالقوة.
مرة أخرى “ أنا هنا أيها العالم .. وسأكونُ يوماً ما أريد”.
كانت نسمات الهواء في معركة مع باب النافذة إلى أن حررتها Heike و طلبت منها أن تلامس شعري، رائحة المطر تعيق تفكيري لا أستطيع مقاومة المطر.
وللمطر في بلادي حكاية أخرى .. الحب، الدفء، حنين لماضٍ بعيد.
بخفتها وأصابعها الرشيقة كانت تلتقط لي لحظات لن أنساها أبدا تخيلتها تطير في غرفتها السوداء المليئة بالصور وتوجّه سلاحها نحوي، وكنتُ سعيدة بذلك.
وقفت على غيمة، نمت في حقل واسع، حاربت كل الذكريات ولايزال صوت الكاميرا يعمل، كانت تبحث عن شيء ما فيّ.
وفي لحظة عابرة عاد بي الزمان والمكان الى سرير أمي في المشفى رأيتها تبكي وتصرخ: “أخرجوا هذه الطفلة من أحشائي” . وكنتُ أنا أنتظر الخروج الى هذا العالم.
ماذا لو أن الممرضة وضعت في يدي اسما آخر ولم أرَ أمي بعدها! ولم أحمل هوية لاجئ فلسطيني في سوريا ولم أكن من وقف على الحدود اللبنانية السورية بحقيبة من الخيبات وقيل لي “ الفلسطينيون للخلف”.
لم يكن ليحكي لي جدّي عن النكبة و طفولته التي قضاها في خيمة.
لم أكن لأبكي عندما طردني موظف الحدود التركي عندما رأى جواز سفري المشوّه.
لم أكن لأكون أنا.
أظنُّ أنّ Heike قد حصلت على ماتريد، حيث وقفت فجأة وتساءلت عن سر هذه الصورة  التي ظهرت في هذه اللحظة على عدستها الصغيرة!

أن تكون قويّاً .. أن تواجه نفسك في لحظة عصف ذهني قد يغير حياتك للأبد!

الأربعاء، 24 أغسطس 2016



كابوس ٢:


المطر يطرق رأسي المحشو بالقطن
كمن ينثر أعشاباً في ذاكرة صدئة وينتظر الثمار 
هل تعلمين يا جيسيكا أن كل ماقلته هراء؟
وأنّي لا أبالي بالمبشرين الذين جاؤوا قبل_ أن يترك جدّي حمارته "دلّة" ليغتصبها أصحاب الأرض الموعودة _وبعد ذلك
هذا الخوف .. مساحة من العقل تنذر بالخطر القادم
ماهي الشجاعة إذاً..
أن تترك الحمار والأرض والهوية وتنادي الأعداء
الحياة قصيرة لوجود الحمقى
النقّاد .. المتهكمون .. والذين ادّعوا المعرفة
كم كنت غبيّاًً عندما استعجلت الرحيل
لن تنجوَ في أرض أخرى
سيأكلونك حيّاًّ وستنتشي بالفكرة
ألم أقل لكِ يا جيسيكا ..
إن الأمر معقد وأنا لا أؤمن بالهواء ..

الجمعة، 12 أغسطس 2016

كابوس ١

كابوس ١ :

يقف الخائنون على جذع شجرة تباعاً
يعتزمون الانتحار
تصطاد الأغصان روحهم
فيعودون بلا قلب
كمن يمسك كوزاً من الذرة يعرّيه من أوراقه بمأساوية بطيئة "مع تلاوة أغانٍ جنائزية "
يصطفون على مهل ويتقدمهم العمر كأول خائن
الوقت .. الدفء.. وموعد قديم
يتمدد الحب بخفته على السور
يرقب الكابوس على مهل ولا يتدخّل
الحب الإله المُدلّل
يخضرُّ حيناً ويصفرُّ أحياناً كثيرة
تصبح أصوات العصافير كامرأة زنّانة
الحبّ لايمكن أن يصبح رماديّا
الحبّ لا يكبر ولا يتحول إلى شيء آخر فيزيائيا او كيميائيا
كم كنا مهووسين بالتخاطر..
أصابع خمسة ومقعد والكثير من الرسائل
ألتحف بشال أزرق وأحدّث نفسي أمام البحيرة أسرد الترّهات وشبح الخوف خلفي مشوّه ولئيم ينظر باستقامة ثابتة
على ساقيّ فأقع
على يديّ فأعجز عن الكتابة
يحدّق جيّدا..
بعينيّ فأذبل
أهرب فيصيبني الهذيان..