السبت، 15 أكتوبر 2016






I never say Goodbye



كان يوماً عادياً جداً أذكرُ أنّ المطر بدا قاسياً في برلين عندما اتصلت بي صديقتي وسألتني  إن كان بالإمكان إرسال عنوان بريدي الإلكتروني لصديقة لها تُدعى Heike Stweing والتي تريدُ أن تتعرّف على نساء من مجتمعات وجنسيات أخرى، نساء قويّات استطعن التغلّب على كل مامررن به، من أجل معرضها القادم.
استلقيت على سريري الصغير وبدأت الأفكار تأكلُ رأسي، الكثير من الأسئلة ولا إجابات ..
هل أنا قوية بما فيه الكفاية! رغم كل ماحصل لم أفكر بهذا من قبل .. نظرتُ للنافذة حيث هناك غيمة تحدّق بي من بعيد، وتعود لي الأسئلة مجدّدا .. هل أستطيع الآن أن أقف أمام عدسة الكاميرا و أواجه كل ما مررت به بصورة واحدة !
في العاشرة صباحاً .. في بداية الأسبوع كانت الشمس تجلس على كتفي بينما كنت أمشي من المحطة إلى منزل Heike، فكّرتُ كثيراً في هذه المدينة التي تَلدُ لي كلّ يوم شارعاً جديداً وردّدتُ .. أنا قوية .. أنا قوية.
لقد قرأتُ ذات مرّة في كتاب ما عن إقناع العقل من خلال تكرار جُمَلٍ معيّنة من حينٍ لآخر .. وأنا من الذّين يقنعون عقولهم كثيراً.
جلسنا في المطبخ على طاولة تكادُ تطاولُ السماء حيث تسكن Heike عالياً. أكلنا الكرز وتحدثنا عن مواضيع عامة عن الطقس، عن الطعام عن القهوة  ثم انتقلنا للجلوس على الشرفة هناك حيث قد زرعت Heike نباتاتٍ كثيرة، كنتُ هناك أروي قصّتي و تصغي لي تلك المصوّرة الجميلة وخلفها ينام غصن زيتون.
وللزيتون في بلادنا حكايةٌ أخرى وقدسيّة خاصة .. الزيتون يعني الأرض، السّلام، موعد مع الشتاء.
شعرت بالارتياح وبدت لي Heike مصغية بشدّة وكأنّها تلتقط الكلام الهارب من فمي إليها.
 كنتُ أريد أن أقول لها “ هل ستستطيعين تحنيط لحظات عمري في عدسة واحدة؟، ولتعلمي أني قوية جدّا بما يكفي لأن أكون هنا بعد ما كان كلّه”.
وعند هذه اللحظة بدأ شريط حياتي يمرّ أمامي وآلات التصوير تحدّقُ بي ..
أول عدسة لمصوّر الشرطة وهو يصرخ بي أن أقف جيّدا عندما أضعتُ بطاقتي الشخصية، ولعلّها الذكرى الأسوأ على الإطلاق، كان الذعر يملؤني في بناء تحيط به أسلاك شائكة والكثير من العساكر وقف أبي هناك نظرتُ في عينيه التائهتين من بعيد أشار لي أن أغلق آخر أزرار القميص شعرتُ أنّ نظراتهم تأكل جسدي من كل جانب. وقفتُ بحذر و لم يكن أبي  يجرؤ حتّى على المساندة.
ثاني عدسة لذلك الشخص الذي ادّعى أنه مصوّر محترف ولازلت أشكّ في ذلك الى هذا الوقت، حين قررنا الهجرة الى بلاد أخرى. حيث أضحت مدينة حلب “ مدينتي” تعيش في ظلام دامس وكانت النار هي الوحيدة التي تنير المدينة و طبعا .. فلاش الكاميرا ..
ثالث عدسة  والتي خلَقتها أصابعي، حدّقتُ بالمرآة وحنّطتُ عيني بآلة التصوير علّقتها على حائط غرفتي والتي أصبحت جزءاً من حريق بيتي وكل ذكرياتي في حلب.
أمّا العدسة الأخيرة فدائما ما تلاحقني في حلمي، بثوبي الأبيض الطويل، حيث أصدقائي، عائلتي، أمي أبي واخوتي. أضحك كطفل يمشي لأول مرّة و أعانق زوجي للأبد هذه العدسة التي بدت عاجزة أمام تقسيم الله والإنسان للأديان وتعدد القوميات. فاكتفينا بالاوراق والاختام والتواقيع . 
قالت لي Heike: “لقد تعبت عدسات التصوير من استحضار الوجع، أنا هنا لأجل القوة، هناك خلف هذا الألم الكثير من الأشياء الذي يجب أن نعرفها ونتعلم منها. لكلّ صورة قصة، أستطيع أن أقول لك أنني من خلال النظر لهذين العينين أعرف أنك هنا بكل ماتملكين من أحلام  وستكونين كما أردتِ يوما“
هل تستطيع عين واحدة أن تقول للعالم قف للحظة وانظر إلى هؤلاء بدون شفقة! من غير إحساس بالذعر، بلا أحكام مسبقة!
أيها العالم الجديد إنهم بشر أيضاً ولديهم أحلام وكوابيس مثلك تماماً.
مايخيفهم يخيفك وما تفرح به يفرحهم أيضاً، هل فكّرتَ يوماً كيف يمكن لإنسان أن يخرج من مجرزة جماعية ويستيقظ كل صباح ليحتسي القهوة ويقرأ الجريدة ناسيا ماقد مضى!
هل فكّرت يوماً كيف يمكن لامرأة فقدت عائلتها في حرب طاحنة أن تكون في بلاد تتعلم بها حياة جديدة لم تتخيلها قبلا !
ربما تستطيع بعينك أنت أن ترى الجزء المظلم والجزء المضيء ايضا .. الاختيار واضح ، بدون تعميم طبعاً.
في السابعَ عشر من نوفمبر ستكون هناك في معرض museum Tempelhof على الحائط لحظات محنّطة لنساء قويات في المنفى.
سيتساءل الكثيرون عن صاحبات الصور وعن ماضيهن، عن حياتهن ، لاتبحثوا عنهنّ ،إنهنّ في كل مكان حتى في ذاكرتكم.
اتفقنا على لقاء آخر من أجل جلسة التصوير الخاصة بي وطلبتُ من Heike أن أرتدي ثوبي الفلسطيني ووافقت على ذلك.
رتّبت شعري و لا أنكر أنني تدرّبت كثيراً أمام المرآة لأرسم على شفتيّ ابتسامة، كان نهاراً عابساً عدّل مزاجي الصباحي فنجان قهوة فلسطينيّ الهويّة حضّرته الجميلة Heike.
مع آخر رشفة في فمي ذهبنا الى غرفة التصوير ذي الحائط الأسود والمعدات الخاصة بها، إنها أولّ مرّة أدخل فيها غرفة كهذه دون خوف أو شعور بالرهبة أو معرفة مسبقة بقباحة الصورة بعد ذلك. 
بدوتُ مرتبكة بعض الشيء ولكنّ ضحكات Heike واعجابها بفستاني المزركش أعادوني لرشدي. طلبت مني أن أكون مستعدة و سألتني أن أنظر الى العدسة بكل ما أوتيت من قوة!
خاطبت تلك البلورة الصغيرة مع كل ومضة وكبسة زر “أنا أكرهك أيها الموت، أنا امرأة قوية، سأحقق أحلامي. أنا هنا سأتحدى كل المسمّيات التي أطلقوها على هويّتي، سأثبت للعالم أنني أقوى مما يظن”
“لا أريد نظرة غضب .. بماذا تفكرين ياعزيزتي ..؟ أريدك فقط أن تكوني كما أنتِ، يكفي أن تكوني أنتِ” قالت لي.
أدركت أنّي بالغتُ بعض الشيء في تدريب مخّي على الإحساس بالقوة.
مرة أخرى “ أنا هنا أيها العالم .. وسأكونُ يوماً ما أريد”.
كانت نسمات الهواء في معركة مع باب النافذة إلى أن حررتها Heike و طلبت منها أن تلامس شعري، رائحة المطر تعيق تفكيري لا أستطيع مقاومة المطر.
وللمطر في بلادي حكاية أخرى .. الحب، الدفء، حنين لماضٍ بعيد.
بخفتها وأصابعها الرشيقة كانت تلتقط لي لحظات لن أنساها أبدا تخيلتها تطير في غرفتها السوداء المليئة بالصور وتوجّه سلاحها نحوي، وكنتُ سعيدة بذلك.
وقفت على غيمة، نمت في حقل واسع، حاربت كل الذكريات ولايزال صوت الكاميرا يعمل، كانت تبحث عن شيء ما فيّ.
وفي لحظة عابرة عاد بي الزمان والمكان الى سرير أمي في المشفى رأيتها تبكي وتصرخ: “أخرجوا هذه الطفلة من أحشائي” . وكنتُ أنا أنتظر الخروج الى هذا العالم.
ماذا لو أن الممرضة وضعت في يدي اسما آخر ولم أرَ أمي بعدها! ولم أحمل هوية لاجئ فلسطيني في سوريا ولم أكن من وقف على الحدود اللبنانية السورية بحقيبة من الخيبات وقيل لي “ الفلسطينيون للخلف”.
لم يكن ليحكي لي جدّي عن النكبة و طفولته التي قضاها في خيمة.
لم أكن لأبكي عندما طردني موظف الحدود التركي عندما رأى جواز سفري المشوّه.
لم أكن لأكون أنا.
أظنُّ أنّ Heike قد حصلت على ماتريد، حيث وقفت فجأة وتساءلت عن سر هذه الصورة  التي ظهرت في هذه اللحظة على عدستها الصغيرة!

أن تكون قويّاً .. أن تواجه نفسك في لحظة عصف ذهني قد يغير حياتك للأبد!

الأربعاء، 24 أغسطس 2016



كابوس ٢:


المطر يطرق رأسي المحشو بالقطن
كمن ينثر أعشاباً في ذاكرة صدئة وينتظر الثمار 
هل تعلمين يا جيسيكا أن كل ماقلته هراء؟
وأنّي لا أبالي بالمبشرين الذين جاؤوا قبل_ أن يترك جدّي حمارته "دلّة" ليغتصبها أصحاب الأرض الموعودة _وبعد ذلك
هذا الخوف .. مساحة من العقل تنذر بالخطر القادم
ماهي الشجاعة إذاً..
أن تترك الحمار والأرض والهوية وتنادي الأعداء
الحياة قصيرة لوجود الحمقى
النقّاد .. المتهكمون .. والذين ادّعوا المعرفة
كم كنت غبيّاًً عندما استعجلت الرحيل
لن تنجوَ في أرض أخرى
سيأكلونك حيّاًّ وستنتشي بالفكرة
ألم أقل لكِ يا جيسيكا ..
إن الأمر معقد وأنا لا أؤمن بالهواء ..

الجمعة، 12 أغسطس 2016

كابوس ١

كابوس ١ :

يقف الخائنون على جذع شجرة تباعاً
يعتزمون الانتحار
تصطاد الأغصان روحهم
فيعودون بلا قلب
كمن يمسك كوزاً من الذرة يعرّيه من أوراقه بمأساوية بطيئة "مع تلاوة أغانٍ جنائزية "
يصطفون على مهل ويتقدمهم العمر كأول خائن
الوقت .. الدفء.. وموعد قديم
يتمدد الحب بخفته على السور
يرقب الكابوس على مهل ولا يتدخّل
الحب الإله المُدلّل
يخضرُّ حيناً ويصفرُّ أحياناً كثيرة
تصبح أصوات العصافير كامرأة زنّانة
الحبّ لايمكن أن يصبح رماديّا
الحبّ لا يكبر ولا يتحول إلى شيء آخر فيزيائيا او كيميائيا
كم كنا مهووسين بالتخاطر..
أصابع خمسة ومقعد والكثير من الرسائل
ألتحف بشال أزرق وأحدّث نفسي أمام البحيرة أسرد الترّهات وشبح الخوف خلفي مشوّه ولئيم ينظر باستقامة ثابتة
على ساقيّ فأقع
على يديّ فأعجز عن الكتابة
يحدّق جيّدا..
بعينيّ فأذبل
أهرب فيصيبني الهذيان..